ماليخوليا 2

ماليخوليا #2 – مصطفي الملواني




علي سطح احد الابراج , بعينان يملأهما  البؤس , اكمل نظرته اليائسه الي النجوم المضيئة في السماء , ثم تحول بعينيه الي القمر في كبد السماء بنظرة شاحبة لا تري لها ملامح ولا تستطع ان تقول سوى انها نظرة كهل في العقد الثاني من عمره ..
" جميعها انفجرت تقريبا , ولكن ها هو ذا ساطع في فضاءه , انه ظاهر اكثر من النجوم حوله , ان القمر هو اقرب للبشر من النجوم , وعلاقة الانسان بالقمر اقرب لعلاقة الانسان بالانسان , انه يعلم ان القمر يعكس نور شمس تقابله , وفي اصله هو معتم , ولكنك تراه يشير اليه ويقول " انظروا لروعة القمر " , ان الوهم يحكم هؤلاء البشر ياصديقي "
كان جليسه ينصت له باهتمام بالغ , حتي انه كان في حالة من التفكير العميق بكلامه , ساد الصمت قليلا ولم يرد عليه صديقه , ثم اضاف : " اين سافرت بعقلك ؟ هه , اعلم ان علاقتنا تجعل منك شخص كئيب , ولكن انا لا اؤذيك عندما اعطيك الحقيقة , حتي وان كان تذوقها قاتل , اعلم ان ما اقوله لك يجعلك غير قادر علي ان تعيش سويا , من الصعب ان تبتسم في اللحظات التي من المفترض ان تجعلك سعيدا اذا كنت تعلم انها ستصبح ذكري قريبا , لا .. بل هي ذكري في جوهرها , ولكنها تأخذ شكل لحظة حاضرة , اليست النسبية تقول ذلك ايضاً؟ ان اللحظات السعيدة هي مثل القمر , تأخذ بريق جذاب وبعد مرور بضعة ايام تصبح عتمة شيء فشيء , ان الكون منحنى, هكذا يقول اينشتاين , اذا فعندما تكون بالقاع لا تحاول الخروج علي السطح , بل اترك جسدك ونفسك تهبط اكثر فاكثر , فتكون يوما ما اذا سمح لك عمرك علي السطح الاخر من الكون , فانه ليس لك مكان بينهم علي السطح الذي غرقت وانت به "
ادار له صاحبه رأسه , ونظر اليه نظرة يملأها البغض , ظل يراقبه , وظل الاخر ناظرا الي السماء , بطرف عينيه يري صديقه وهو ينظر  اليه , ثم اردف قائلا : " نعم , انك محق , هل تعلم في فترة المراهقة , تحدث بعض الاشياء التي يجب ان نستخلص منها معاني غير التي نفهمها , فالحب في هذه الفترة ليس حب راحلا بسهولة كما أتي بسهولة , ولكنه حب حقيقي , يكون الزواج في هذه الفترة صعبا للغاية , فيظل العشاق طوال سنوات وسنوات في حالة من الهيام وتنتهي فجأة , ليس بسبب انتهاء فترة المراهقة كما يظنون , ولكن لان الدهر يغير كل شيء بهذه الدنيا , انها دائرة , وجميعنا نطوف , كعبة في المنتصف , ولكن نطوف مرة واحدة وليس سبع في الحياة الواحدة , عندما تنتهي فترة المراهقة وتذهب هذه المرحلة بما فيها من مشاعر , وعندما نعشق من جديد , نتزوج فورا , بحجة اننا نضجنا واستطعنا الاختيار الصحيح , وننسي ان الحب ليس كفيف , انما هو نظارة لا تري سوى الالوان الزاهية , ماذا لو انتظرنا سنوات كما التي انتظرناها في فترة المشاعر المرهفة والزائدة ؟ حتما سينتهي الحب , ولكن نحن نأتي بسكين الزواج لنذبح الحب وهو يحتضر قبل ان يموت , ليكون حلال اكله "
لم يلتفت له صديقه , ولكن كان يبدو انه ينصت اليه باهتمام , فقال له : "اشعر اننا اصبحنا متماثلان في الفلسفة السودواية , اصبحت نظرتك للحياة هي الماليخوليا ياصديقي , انها الحقيقة "
- " نعم اصبحنا متماثلان , واقتنعت بكلامك ان الكون منحني , ولكن لاننا متماثلان فلا يمكن ان نجتمع علي سطح واحد , حان الوقت لان يذهب احدنا الي السطح الاخر "
حاول ان يفهم ما يقوله , وسرعان ما ادركه , فنظر له نظرة لم تكتمل عندما دفعه بكل قوته من فوق سطح البرج , ودعه بابتسامة ساخرة تحمل لون الدم الداكن , ضحك بهستيريا وقال وهو يشاهده يسقط " هذه الدنيا ياصديقي , نتعلم لنصبح معلمين , وعندما نصبح معلمين لا يمكن ان تجتمع نظرتان لمعلمين بنفس المنهج , فوداعا جميلا يا صديق "

انتهت ..
التعليقات
0 التعليقات

0 تعليقات

 
ادارة: مصطفي الملواني