نَظرَ لها بعَينَين
بائستين تَحمِلا ذِكرياتَ الماضي وهمُ
المستقبلِ , وقال :
" سَنفترِقَ
, هذه الدُنيا مَديونةِ لِي , اخذَتْ مِنِّي كُل شَيءٍ , ولكِنها مؤخَرا اعطتني
انتِ , ولكنَ انتِ اكثرُ مِنْ كُلِ شيءٍ , لذا انتِظاري فُقدانُ شيءَ مَا هو مَنطِقِي
وليسَتْ مَاليِخُولِيا وَهْمِيَة , ولا يُوجَد شيءُ يمكِنْ انْ افقدَهُ بَعد ..
سواكِ "
بنبرةِ هادئةِ
تليقُ بنعومةِ صوتِهَا , ممزوجةُ ببعضِ البؤسِ قالتْ :
- لا أعلمْ لما
دائِما تَقولُ هذا , اتودُ مُفارقَتي فتمهدَ لِهَذا مِنْ الآنِ ؟ ولكِنْ كيفَ ؟!
رَدّ مُنْكِرا :
" لا , بَلْ
أريدُكِ بِشدَةِ , أريدُكِ كَما يريدُ الجنةَ كافِرٌ وجدَ بَعدَ الحياةِ حياةً
أخرى , ولكنْ قَدْ فَاتَ الآوانِ , ولَمْ يَعُدْ هناكَ وقتُ للندمِ , فَقطْ عليهِ
انْ يستسلمَ ويستكينَ لقدرِه المحتومَ بالعذابِ "
ظلتْ تَنظُرُ لهُ
تبادلُهُ نظراتِه الحارةِ المليئةِ بمشاعرٍ تَحمِلُها النَسَماتِ لتَستَنشِقِ هَواء
العشقِ وتداعبَ وجهُها الملائكي , ثم اضاف :
" حسناً ,
لقَد وقَعنْا في العِشقِ وانتهى الأمرَ , لنَعيشَ حتى يأتي مَوعدُ الفراقِ , لا
اقصدْ ان اتسببَ لكِ بجراحٍ وانتِ معي ولكنْ انا احُاوِلُ انْ احميَكِ , انتِ
بريئةُ كالاطفالِ , بل انتِ طفلةٌ حَقا "
- نعم , انا طفلةٌ
, واريدُ انْ ابقى كَذلكَ , اريدُكَ انْ تحميني وليسَ انْ تبتعدَ عنِّي , اريدُ انْ
اجلسَ معكَ في بيتِ لنَا , تحتضني , ونحنُ نشاهدُ معاً احدَ افلامِ الرسوماتِ
المتحركةِ التي اعشقُها
نظرَ لَها باسِماً
ومِنْ ورَاء ابتسامتِهِ شعورٍ يجتاحُ قلبُهُ لَمْ يشعرْ به قبلها , بصوتِ فكاهي
قال :
" الرُسوماتُ
المتحركةِ ليستْ للاطفالِ , بل انها تُوحِي باشياءِ كثيرةِ , تفيدُ الفلاسفةَ
امثالي "
- وبماذا تُوحي
لكَ يافيلسوف ؟
قالتها ساخرةً
تضحكُ عَيناهَا قَبلُ ثَغرِها ..
" اشياءُ
كثيرةُ , مثلا عِنْدَما تُشَاهِدينَ احدَ هَذِه الافلامُ , وترينَهُم يطيرون
احيانا بدون انْ يَشُعروا , وفجأةِ لو نظروا إِلى الأرضِ لا يجدُونَها , يُدرِكون
انهم سَيسقُطوا ؛ فيسقُطُوا , لِذا اريدُكِ انْ تحبيني , ولكنْ بعيداً عِن الوهمِ
, فافرَحِي عِنْدَما احتضنُكِ ولكنْ لا تطيري مِن الفرحةِ , يوما مَا سَأرحَلَ , فَعِندما
تنظرينَ لأسفلِ تجدينَ انكِ مازلتِ عَلى الأرضِ , ولستِ معلقةٍ في الهَواءِ , فلَا
تَسقُطِي "
- ليسّ الوقتُ
المناسبَ لحديثِكَ هذا , هيا لندخل
دخلا السينما ليُشاهِدَانْ
احدَ الافلامِ الكارتونيةِ التي اختارتها , اجلسهُما المَسؤول عَنْ ذلِك , بَدَأ
الفِيلمُ ولمْ يدرْ رأسُه للشاشةِ ابَدا , ظلَ يراقبُها بعنايةٍ , يتفحصُ مَلامحَ
وجهَها , كما لو انهُ يريدُ انْ يحفظَها عَن ظهرِ قلب , يقعُ بعيناهِ على خُصلاتِ
شَعرِها الكثيفةِ والناعمةِ احيانا , واحيانا اخرى يظلُ يراقبُ عينَاها لفتراتٍ
طويلةٍ , ينظرُ وكأنهُ يشاهِدُ فيلمٌ لا ينتهي , كما لو انهُ يرى الكونُ باكملِهِ
بتلكَ الدائرةَ السوداءَ الصغيرةَ , ولكن ما ادراكَ ما هذه الدائرةُ الصغيرةِ ,
ففيها انطوى الكونَ كلهِ , مهما كان حجمُكَ , فالمكانَ الذي تحكمُكَ قوانينُكَ ان
تبقى فيه يمثِلُ لكَ الكونِ , وسُجنَ هو بعينيها , فظلَ يتأمَلَ عظمَةِ الخالِقِ
الذي خَلَقَ وزيَنَ الكونَ الصغيرَ واللامتناهي الذي هو فيه , لم تُنزلْ عَيناها مِن
على شاشةِ السينما , ومع ذلك ظلت تنظرُ لهُ نظراتٍ تحمُلَ نفسَ المشاعر , اغلقت
بصيرة عيناها وتركت طاقتها كلها تذهب لقلبها , فتراه به , تراه اجمل ما في العالم
, مستسلمة للحالة التي بها يقاطعها هو :
" لماذا
مازلت معي حتي الآن ؟ ما اقوله لكي يكفي اي واحدة لتتركني بعد ان تكلمني وتسبني في
احد المرات "
- لانني اعلم انك
تحبني اكثر مما يبدو عليك
" نعم ,
ولكني سأرحل , تأكدي من ذلك , سيتأخر هذا قليلا , عندما تصلين لذروة مشاعرك تجاهي
, حينها سأرحل "
قالت وهي تنظر له
باستهجان بعد ان ادارت رأسها نحوه :
- لتجعلني اتألم
الباقي من حياتي ؟
" لا , ان
كل شيء في هذا الكوكب اللعين يسير في دائرة , وكل شيء في دائرته له نقطة بداية ,
وتكون هي نقطة النهاية ايضاً , عندما تصلين لاقصى درجات حبك لي سيكون ما بقي الا
ايام معدودة وتتحول هذه المشاعر وتتغير تماماً , وستحبين شخصاً اخر وسيتركك او
تتركينه وتظلين هكذا تتألمي هنا وهناك , ولكن اذا تركتك قبل ان تتغير مشاعرك تجاهي
, عندما تكوني وصلت لمرحلة انك تقسمين انه لن يفرقنا اي شيء في الدنيا - وهذا ماتريدينه ولكني اعلم انه سيتغير بعدها
بقليل - عندها ان تركتك دائرة الحب في دوائر حياتك ستتوقف عند نقطة البداية والتي
هي النهاية , هل فكرت يوما عندما يترك احد العشاق حبيبته او هي تفعل هذا يظل من
تُرِك على هذه المشاعر ولا ينساها؟ لانه يهجرها قبل ان تصل الي نقطة بداية دائرة
حبها , فتكون نقطة النهاية ليست هي نقطة البداية , فسيأتي احد بعده , فستكمل هذه
الدائرة والتي بقي القليل حتي تعود الي بدايتها , وستظل تحبهما هما الاثنان , تحب
هذا وتتذكر هذا , وعندما تصل الي نقطة البداية ستنسي حبهما وتمحيهما من حياتها ,
هذا دائماً حال الحبيب المتروك في منتصف دائرة حبه "


0 التعليقات