صفر اليدين - قصة قصيرة




بقلم / احمد وفدي



انه اليوم المنشود بالنسبه لحازم, اليوم الذي سيتم افتتاح جريدته اخيرا بعد شقاء سنوات و صراع عقود مع الحياة و الاحياء ليصل اخيرا الي هذه المكانه المرموقه. ها هو حازم احمد عبد الغني يقود سيارته الي حلمه الذي لطالما كان يطارده طوال حياته حتي استطاع بعد معاناة ان يقتنصه اخيرا ليصبح حقيقة, قضي من العمر تسع و اربعون عاما من الاجتهاد الوظيفي و الدراسي تخلو من اي شكل من اشكال اللذة و المتعة فقد كان دائم الظن انه سيظل يجتهد و يكد في العمل حتي يأتي اليوم الذي سيرتاح فيه لبقيه حياته و يعيش كالملوك و يمارس كافة سبل المتعه بعدها. اخذ يفكر بينما هو يقود مسرعا نحو هدفه .. انه اليوم المنشود اخيرا سيكون الاكثر نبوغا بين رفاقه الذين نقدوا سلوكياته و تفانيه في العمل طوال حياته, سيرتاح اخيرا لباقي حياته بينما هم سيظلون كما هم, من يضحك اخيرا يضحك كثيرا .. و ها هو علي وشك الضحك كثيرا فيما تبقي له من سنوات حياته القادمه, انه الاكثر سعادة الان, انه النجم الاكثر لمعانا و سطوعا من بين المحيطين به في سماءه, لقد اصبح الان اعلي شأنا من غريمه ادهم رئيس تحرير جريدته السابقه, اخذ يفكر في نظرات الحقد التي ستكون علي وجه ادهم و باقي رفاقه بعد ان يتم افتتاح جريدته الخاصه, اخذ يفكر في نظرات اعجاب معجبيه في المستقبل, خاصة النساء منهم, الان يستطيع ان يتزوج من هي افضل بمئات المرات من طليقته السابقه التي تركها فدائا لحياته المهنيه حتي انه يمكنه ان ينجب عشرة ابناء بدلا من تلك التي هجرها و هي رضيعه مع طليقته و لم يحاول الاتصال بها يوما او يراها. و لما الزواج ! سيستطيع ان يلهو مع فتاة تعيد له شبابه و يتركها حين يمل منها ليستمتع باخري, اخيرا سينال كل شئ .. و لن ينال منه شئ .. انها النهايه السعيده لقصته الخاصه, انه النعيم من بعد حياة من الجحيم .
                                              ......
"شهدنا صباح امس حادث مروع اودي بحياة زميلنا السابق الكاتب الصحفي حازم احمد عبد الغني في حادث سير بينما كان يقود سيارته الي افتتاح جريدته . يقص علينا احد الشهود انه كان يقود سيارته بسرعه كبيره و كانت امامه مقطوره يبدو انه لم يلحظها و قد انتبه لها فجأة محاولا تفاديها لكن شاءت الاقدار ان يسقط من فوق الكوبري الدائري ليلقي حتفه في مياة النيل . خالص التعازي للزميل حازم احمد و اسرته و قراءه و محبيه .”
اخذ يغمغم بالكلام قائلا :
- لا اعرف لما اعشق قراءة صفحه الحوادث بما تحمله من اخبار تدفعني للاكتئاب, علي ان اتوقف عن تلك العادة السيئه .
طوي صفحات الجريده و القاها علي الطاوله حين وقعت عيناه علي فتاة جالسه علي الطاولة التي تقابله .
انظر الي تلك الفتاة التي تحتسي القهوه امامي, لما هي متأنقه لهذه الدرجه التي تجعلها تبدو كالعاهرة التي تحاول اغواء احدهم, بلباسها الضيق و تبرجها المبالغ فيه, حتي اني استطيع ان اشم رائحه عطرها من هنا .
مؤكد انها تنتظر حبيبها, كيف لها ان تتزين هكذا لصديقه او لاحد افراد عائلتها, اراهن علي ان صديقها سيطل علينا بعد لحظات.
لكني لا ادري لما يبدو عليها انها تحاول اصطناع الجدية مع القليل من التوتر و كأنها علي وشك اتخاذ قرار مصيري او شئ كهذا !
ضحك ضحكه حاول كتمانها عندما رأي رجلا ذو حلة سوداء باهظه الثمن يمد يده ليصافحها ثم سحب كرسي ليجلس .
حسنا لقد فزت بالرهان .. ادين لنفسي بهديه الان .
امسك بهاتفه متصفحا مواقع التواصل الاجتماعي لدقائق حتي قاطعه صوت الفتاة يعلو ثم تركت رفيقها الذي لاحظ شيبته الان و اتجهت نحو المخرج ..
                                             ......
اخذ رنين الهاتف يعلو حتي اجابته السيده:
-الو .. حبيبتي ماذا بك .. كيف جرت مقابله عملك ؟
-في وسط سيل من البكاء اجابتها : لقد حدث امر لم احسب له .. لقد اراد ان يتزوجني "بورقه عرفي" لا ان يوظفني يا امي. ثم اخذت في البكاء حتي قاطعتها امها قائله :
-لن تحتاجين الي العمل يا حبيبتي, لن نحتاج الي العمل بعد اليوم, صرنا اغنياء! لقد توفي والدك امس .. نحن الورثه الان, لنا منزله و امواله و جريدته .. كل شئ, كل شئ يا ابنتي .
                                           ......
- تفضلي بالدخول يا حبيبتي . قالها بينما هو يغلق الباب .
ابتسمت له ثم قالت في قلق :
-أمل ان تستلطفني والدتك.
-والدتي ؟ نعم نعم بالطبع ستحبك كما احبك .
ثوان ثم اتجه الاثنان الي احد الغرف .
-أين هي والدتك ؟
-ضحك ضحكه هستيريه ثم اقترب منها قائلا :
- والدتي في الاسكندريه .. نحن بمفردنا الأن !
                                          .....
يكاد الفضول يدفعني لأذهب الي هذا الرجل لأسأله عما حدث بينه و بين تلك الجميله ليجعلها تغادر باكيه هكذا !
كيف له ان يغضب هذا الملاك !
قاطع افكاره رنين هاتف هذا العجوز الماثل امامه ليجيب عليه قائلا :
- كيف حالك يا ابنتي ؟
تغيرت ملامح وجهه عندما سمعها تبكي قائله :
- لقد اعتدي علي يا ابي .. خطيبي فعلها !
                                         ......
ما بال تلك الطاوله ! ها هو الأخر يركض تجاه المخرج و كأنما تلبسه احد الجان !
قالها بينما هو ينادي النادل ليعطيه الحساب و يرحل ..
اخذ النادل ما اعطاه من نقود ثم عاد لصديقه غاضبا قائلا : ما بال هذا الرجل ! يحملق و يراقب الزبائن طوال جلسته .. و يبدو انه كان يصورهم بهاتفه ! ثم يعطي لي جنيهان كبقشيش ! ايحسبها قهوة بلدي ! و ها هو يغادر بمغادرة الرجل و الفتاة ! يبدو انه من المخابرات او المباحث العامه ..
تمت..
 

التعليقات
0 التعليقات

0 تعليقات

 
ادارة: مصطفي الملواني