المحكمة الإلهيه - قصة قصيرة



بقلم / احمد وفدي


حَكمت المحكمة الإلهيه علي عبد الله ابن امة الله بالعذاب ما شاء الله ان يُعذَب في الدرك السابع من جهنم.. درك أهل الكبائر من أُمة محمد الذين لم يتخذوا من القرأن منهجاً و اتبعوا خطوات الشيطان حتي ادركهم الموت قبل ان تدركهم التوبه. فقد رجحت كفة ذنوبه و خطاياه علي كفة حسناته وصالح اعماله, بعد أن خضع في دنياه لنفسه الأَمره بالسوء و لم يروضها حتي قادته الي الكبائر و الشهوات و الملذات الدنيويه و تخاذل في واجبات عبادة بارءة و خالقه الله الواحد الأحد القهار مُستحق العبادة.. يا ملائكة قودوا هذا العبد الضالْ الي جهنم و بئس المصير..
-لااا.. بالله عليكم خففوا عني العقاب , بالله عليكم ما انا بقادرٍ علي العذاب!
لقد أطغاني قريني حتي اذنبت, و حرقتني نفسي حتي اخطأت..
- ما الله بظلامٍ للعبيد.. وما الدنيا الا اختبار.. و انت لم تجاهد نفسك و ها هي قد قادتك الي الجحيم, قُضيَ الأمر.. يا ملائكة
                                        ***
ساقته الملائكة من لحيته جراً حتي استقبلهم مالك خازن جهنم متسائلا:
-من هذا؟ ما مر علي من الأشقياء من هو أعجب شأناً منه, لم يسْوَدّ وجهه و لم تَزرقّ أعينه و لم يُقرن مع شيطانه و لا اري اغلالاً و لا سلاسل في اعناقه!
رد عليه الملائكة قائلين:
-هكذا أُمرنا ان نأتيك به.
سأل مالك متعجباً عبد الله الشقيّ الذي قد يُهت و تاه عقله من هيبة مالك و هوْل ابواب جهنم:
-من أنت؟
كسجينٍ حُكِمَ عليه بالإعدام و رأي تواً مشنقته, قال مرتجفاً متلعثماً:
-انا.. انا ممن أُنزل عليهم القرأن.. انا ممن كانوا يصومون رمضان ..
قاطعه مالك:
-ما أُنزل القرأن إلا علي أُمة واحده.. هل انت من أُمة محمد -صلي الله عليه و سلم-؟!
كغريقٍ رأي كومةِ قشّ ليتعلق بها قال في لهفة:
-نعم .. نعم انا من أُمة رسول الله محمد عليه الصلاة و السلام.
أُمة مُحمد!! وا خيبتاه .. أما كان لك في القرأن منجياً؟! اما كان لك في سيد الخلق قدوةً!!
لم ينطق ببنت شفة حتي أدركته دمعة كانت كالقشة التي قسمت ظهر البعير, فاذا بها تسقط ليسقط معها ارضاً, عقبها سيل من الدموع و عاصفه ضربت ارجاء نفسه حتي أصبح يرمي وجهه بالتراب محاولاً أن يخمد نيران الضياع و الندم التي تحرقه داخلياً, تذكر خطاياه التي ارتكبها, ولحظات كُتبت للتوبة اضاعها, تذكر نعم ربه و فضله الذي لم يحمده يوما عليها, تذكر الموت الذي ظنّ انه لن يدركه; حقيقة بينه بدلها له الشيطان الي وهم خادع, و الأن لا مكان للتوبه, حان وقت الحساب..
 يا ويلتي.. يا حسرتي, الأن أُدرك مصيبتي!
صرخ وتأوه وبكي حتي نفذت منه الدموع التي لم تأتيه احداها خشية المولي عز و جلْ طوال سنين حياته الفانيه .. و الأن نفذت منه, فيهيم علي وجهه و يبكي دماً..
فيقول له مالك:
-الأن تبكي؟! ما احسن هذا البُكاء, لو كان اتاك في الدنيا خشية الله لكنت الأن تبكي فرحاً علي ابواب الجنة.
فتصرعه كلماته تلك ليَئِنّ كمن تكويه جمرة موقدة و يبكي دماً كمن قُطع له احد اوصاله..
فيُنادي مالك الزبانية:
-القوه في النار..
                                        ***
ساقته الزبانيه رغماً عنه, فكان يحاول المقاومة خشية النار لكن المشهد أقرب الي البعوضه التي تقاوم الثور, حتي استسلم لهم اخيراً, فأخذوا يهبطون الي أسفل حتي بدأت جهنم في الوضوح له تدريجياً, لها تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا خاطفاً للقلوب, كصوت الرعد الذي يعصر الألباب خوفاً, يختلط معه صوت صراخ ملايين المعذبون في صرخةٍ واحده كلما سمع صداها صرخ في بؤسٍ معها حتي تمزقت احباله الصوتيه و ما عاد قادراً علي الصراخ.
 انها الهاويه, الجحيم, نار الله الموقده, ليست كما النار التي عرفها طوال حياته الدنيا, سوداء كما الليل, ارضها سوداء, جدرانها سوداء, اهلها ملعونين سود, بدأ جلده بالذوبان من شدة حرها قبل أن تمسسه نارها, اتاه احد الزبانيه بلباسٍ من قطران و حديد كريه يكوي جلده كلما لامس موضعاً منه لكنه ستره و ستر عورته بعدما كان يُجر عارياً, و أخيراً قال له:
-تلك منزلتك من جهنم.. قالها ثم القاه في هاويه لم يجد له سوي نارها لتستقبله..
احاطت به النار كانها حية تنظر له, وتمقته, حتي أُذن لها أخيراً بأن تلتهمه, صرخ قائلا:
-ااااه ياااارب! فما أن قالها تراجعت عنه النار و إنطفأت, فينادي مالك:
-يا نار خذيه. 
فتقول: و كيف أخذه و قد ذكر ربه.
فيرد عليها قائلا: هكذا أمر رب العرش..
فترضي النار أخيرا و تأخذه حتي قدميه فيصرخ, و ترتفع الي ركبتيه و كذا حتي ترتفع الي حلقه ويزداد صراخاً و أنيناً و بأساً, و ما أن اقتربت من وجهه لم تقوي علي ان تمسه بسوء, فذاك الوجه سجد لله يوماً.
جاع فشاء أن يأكل, فما وجد سوي الضريع و الزقوم و الصديد الذي بمجرد أن اكله تقطعت أمعاءه, ليسخر منه أهل جهنم الكافرين, بماذا نفعك الاسلام الان يا هذا؟!
فيخر باكياً من شدة شقائه.. و يغمض عيناه صارخاً:
-لا إله إلا الله .. لا إله إلا الله
فيضئ قلبه بالشهادة التي لطالما حملها بداخله.. شهادة الا إله إلا الله و أن محمد عبده و رسوله, ذاك الإيمان الفطري الذي لم يتلاشي بذنب أو معصيه, فتصبح به النار برداً و سلاماً كما كانت علي إبراهيم..
لا إله إلا الله ..يا الله ما اعزبها و ما أحسن وقعها علي النفس.. و كأنما ذنوبي تسيل مع بُكائي الأن كما الدم الفاسد الذي تُخرجه الحجامة من الجسد.. لا إله إلا الله هذا ما نفعني به اسلامي يا خالدون الجحيم, الأن بت راضياً -في جهنم- كما لم أرضي من قبل طوال حياة كامله من الرفاهيه و النعيم..
بلا إله إلا الله كُتب علي جبهتي "من عتقاء الرحمان".

تمت ..

التعليقات
0 التعليقات

0 تعليقات

 
ادارة: مصطفي الملواني